تدريب الأطفال على الصيام.. مهمة كل أم وأب
شهر رمضان الكريم هو سيد الشهور وموسم الخيرات، فهو يحمل في طياته نسائم الرحمة والمغفرة وبشائر العتق من النيران، شهر رمضان هو تاسع الشهور الهجرية وأعظمها قدراً، وهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن، ورمضان له مقاصد عظيمة اختصّها الله بهذا الشهر المبارك، فقد قال الله سبحانه وتعالى عنه:
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
بالإضافة إلى أن شهر رمضان المبارك هو الذي لأنزل فيه القرآن على سيدنا محمد صل الله عليه وسلم، فهو الشهر الذي فرض فيه الصيام على المسلمين، وأوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار.
وشهر رمضان تكثر فيه الطاعات وتقل فيه المعاصي، وفيه ليلة القدر والتي هي خير من ألف شهر.
وفي شهر رمضان تكون فرصة عظيمة لتعويد الأطفال على الصيام والعبادات والقيم الأخلاقية وغرسها في نفوسهم، فعند غرس القيم في نفوس الأطفال فهي تنشئ جيلا محافظا على تماسك المجتمع، فالقيم هي التي تحدد له أهداف حياته ومبادئه الثابتة.
والقيم هي التي تساعد المجتمع على مواجهة التغيرات التي تحدث فيه بتحدياتها واختيار الطريق الصواب، مما يسهل عليهم حياتهم، وهي التي تربط أجزاء ثقافة المجتمع ببعضها لتبدو متناسقة، فهي تمنح النظم الاجتماعية أساسا عقليا يصبح عقيدة في أذهان المجتمع.
وفي شهر الصوم، يحرص الآباء على تعليم أطفالهم الصيام في الشهر الكريم لتعويدهم، لذا يجب الحرص على تدريج ساعات الصيام للأطفال مثلا الصيام حتى أذان الظهر ثم العصر حتى المغرب، وذلك بناءا على عمرهم وحالتهم الصحية وظروفهم.
وفي هذا المقال، سنوضح لكل الآباء الدليل الشامل الكامل لصيام الأطفال في شهر رمضان، وسنجيب على كل الأسئلة التي ستدور في بال كل أسرة.
متى نبدأ تدريب الأطفال على الصيام؟
يمكن للآباء أن يبدأوا مع أطفالهم في سن مبكرة لتعويدهم على الصيام، بشرح الإيمان والعزيمة، والثبات أمام المغريات، والتمسك بالأخلاقيات والصيام عن الأفعال السيئة، وذلك ليتعلم الطفل جوهر فكرة الصيام، ومع مرور الوقت يبدأ الطفل في ملاحظة من حوله في شهر رمضان ويرغب في التقليد لمن حوله، ويمكنه أن يبدأ بالصيام التدريجي حتى يصل إلى الصوم الكامل.
وتختلف الآراء حول السن الذي ينبغي تعويد الطفل على الصيام فيه، لكن الغالبية يروا أنه ببلوغ الطفل عمر الـ10 سنوات يمكنه أن يصوم صياما كاملا، إن كانت حالته الصحية تسمح بذلك، بينما يرى آخرون أن الصيام الكامل يتزامن مع البلوغ عند 12- 14 عاما تقريبا.
وينصح الخبراء والأطباء بأنه بعد التأكد من الحالة الصحية الجيدة للطفل، نبدأ بالصيام التدريجي، منذ الصباح الباكر وحتى الظهر ثم إلى العصر، أو بالعكس من العصر إلى المغرب، ثم من الظهر إلى المغرب وهكذا.
حتى يصل الطفل إلى لحظة الإفطار، مع التشديد على ضرورة الرجوع إلى الطبيب المختص في حالة إصابة الطفل بأمراض مزمنة حول مدة صيامه وقوة تحمله.
وتختلف فترة صيام الطفل حسب قدرته على التحمل وفروقه الفردية، فمنهم من يتحمل فترة صيام طويلة ومنهم لا يستطيع الصيام فترة طويلة لأنه يؤثر على صحته وجسده.
خطوات تدريجية لتدريب الطفل على الصيام
يمكنك أن تعود طفلك على الصيام بالتدرج، على أن يكون الصيام بشكل متدرج، مثلاً بزيادة ساعة أو اثنتين كل يوم، لكي تتيح الجسم فرصة فرصة للجسم لاعتياد الحرمان من الطعام بشكل متدرج وليس مفاجئاً.
فمثلاً، يمكن للطفل أن يبدأ بالصيام من العصر إلى المغرب، وليس من الصباح إلى الظهيرة؛ لأن ذلك يساعد الطفل في مشاركته فرحة الإفطار ليشعر بالإنجاز الحقيقي، لأنه شابه الكبار في أفعالهم، وهو ما يشجعه على الصيام طوال اليوم لأنه بالفعل جرّب الصيام لعدة ساعات وفلح في القيام بذلك.
شجع طفلك على تناول الوجبات الرئيسية في رمضان مع العائلة، مثلا أن يتناول مع الأسرة وجبة السحور والإفطار ليشعر بالبهجة وأنه مثل الكبار، فيتشجع على الصيام مثل الكبار أيضا.
اشرح لطفلك أهمية الصيام وفضله من حين لأخر، حتى يثبت هذا في ذهنه ويتشجع لأن يجرب الصوم ليستفاد بفضله ويمر بتجربة الصيام مثل والديه.
ركز مع طفلك على الجانب الروحاني لرمضان، ولا تقتصر معلوماتك التي تقدمها للطفل على أن رمضان هو الامتناع عن الطعام والشراب فقط، بل ركز على الجانب الروحاني مع طفلك.
نصائح لتشجيع الأطفال على الصيام
لكي تشجع طفلك على أخذ خطوة الصيام، يمكنك أن تتبع بعض الاستراتيجيات الفعالة، منها:
- تعريفه بفوائد الصيام الصحية
عليك أن تتعرف على الفوائد الصحية للصيام، وتبسطها لطفلك وتطلعها عليه حسب عمره وقدراته العقلية.
- أخبره عن ثواب الصيام
تحدث إلى طفلك عن الله والجنة ومن يدخلها من مقيمي العبادات والصيام، فالجنة هي الطريقة المثالية لتشجيع الطفل على الصيام لما به من ثواب.
- أدخل طفلك في أجواء رمضان المبهجة
أخلق له جوٍّ مفعم بالبهجة والسعادة مع وجود الشهر الكريم، فالأطفال الذين يعتادون الأكل في أي وقت يجدون من الصعب تصوّر فكرة الامتناع عن الطعام والشراب طوال النهار، لذا وجب إدخال جوا من المرح والسرور. من خلال تزيين للمنزل بالأنوار والأضواء والفوانيس ودعهم يساعدوك في تعليقها.
- اطلب مساعدة طفلك في تحضير المأكولات والمشروبات والحلويات
كل البيوت في رمضان تعد الكثير والكثير من الأصناف الحلوة والحادقة والمشروبات المختلفة، يمكنك أن تشجع طفلك على المشاركة في إعدادها. وعلى حسب سن الطفل يمكنك البدء معه، فمثلاً إن كان طفلك في سن صغير اجعله يحضر لك الأدوات من المطبخ ويقوم بتنظيفها وغسلها، وإن كان أكبر يمكنه شراء بعض الأغراض من المحلات المجاورة فاجعله يفعل.
- مكافأة الأطفال على صيامهم
يمكنك تشجيع طفلك على الصيام، بمكافأته عند صيامه عدد ساعات حسب مقدرته، وتقديم الهدايا له أو القيام بالأنشطة المرحة التي يحبها الطفل عند الصيام.
خلق روح التنافس بين الأطفال لمن عنده أكثر من طفل مع ضرورة عدم تأنيب أي منهما.
يفضَّل أخذ الأب ابنه وخاصة بعد العصر للمسجد لشهود الصلاة وحضور الدروس ، والبقاء في المسجد لقراءة القرآن.
التغذية السليمة للأطفال خلال شهر رمضان
يجب أن يكون الإفطار للطفل إذا صام في رمضان متوازناً وبكميات كافية، وأن يحصل الطفل على السعرات الحرارية اللازمة له، وينصح ب:
إحتواء وجبة الإفطار على الحليب ومشتقاته والبروتينات التي تساعد على بناء الأنسجة الجديدة وتعويض ما ينهدم منها فب الصيام، فضلا عن الخضراوات، والفاكهة، والنشويات مع القليل جداً من الدهون.
كما يفضل تناول السوائل الدافئة مثل الشوربة كبداية فهي تنبه المعدة وتهيئها لاستقبال الطعام.
راعي أن تخلو وجبة السحور من المخللات والأطعمة المالحة، لأنها تسبب العطش في اليوم التالي.
تناول كميات قليلة ومتكررة من السوائل وبخاصة عصائر الفاكهة مع الماء، لتعويض الحرمان منها طوال اليوم بعد وجبة الأفطار وخلال وجبة السحور.
يفضل تناول حلويات رمضان (كنافة أو قطايف) بعد وجبة الإفطار، وليس في السحور حتى لا تسبب العطش للطفل في اليوم التالي.
يجب أن يحرص الطفل على وجبة السحور ولا يفوتها لما لها من فوائد كثيرة للجسم، فهي تعينه على صيام نهار رمضان.
الأنشطة المناسبة للأطفال خلال شهر رمضان
يمكنك أن تشجع طفلك على صيام رمضان وحبه من خلال بعض الأنشطة الرمضانية المختلفة، مثلا:
- إنشاء خيمة رمضانية في المنزل
من أشهر مظاهر الاحتفال برمضان هو الخيمة الرمضانية والتي تضفي أجواءً روحانية، وهي ما تجعل الأطفال يشعرون بتميز هذا الشهر، ويمكنك تصميمها بسهولة باستخدام الأقمشة والملاءات المناسبة الملونة، مع إضافة بعض من لمسات الزينة والفوانيس الصغيرة والأضواء الهادئة.
ويمكنك أن تجعل الخيمة أكثر فائدة، من خلال تخصيصها كزاوية خاصة للصلاة والعبادة، فيحفز الأطفال على العبادة وأداء الصلاة.
- تزيين المنزل بزينة رمضان
يمكنك أن تضفي على المنزل أجواءا روحانية واحتفالية بشهر رمضان من خلال تزيين المنزل بالزينة المخصصة لرمضان والفوانيس الملونة المضيئة، ويمكنك الاستعانة بالزينة المنزلية المصنوعة من الورق.
- إنشاء أجندة رمضان للأطفال
أعد أجندة أو تقويم يومي لطفلك مخصوص برمضان، يشمل أنشطة رمضانية يومية مثل أداء الصلاة أو قراءة القرآن، والأنشطة الجماعية مثل توزيع التمر والعصائر على الصائمين وقت الإفطار في الشارع.
- تشجيع الأطفال على قراءة قصص رمضانية
وفر لطفلك القصص المصورة أو القصص الإلكترونية التي تبرز القيم الإسلامية والقيم الرمضانية، والتي تعزز من فهمه لشهر رمضان بشكل مبسط وترفيهي ومحبب لهم، بالإضافة إلى قصص الأنبياء والصحابة والشخصيات الإسلامية المؤثرة.
- مشاهدة برامج أو مسرحيات رمضانية للأطفال
تعد مشاهدة البرامج التفاعلية أو المسرحيات الرمضانية وسيلة ممتعة لتعريف الأطفال بشهر رمضان وقيمه الدينية، فهي تساعد الأطفال على استيعاب المعلومات بطريقة مشوقة بعيدًا عن الأساليب التقليدية.
- الأنشطة الخفيفة
يمكنك أن تشغل وقت طفلك في رمضان من خلال تطبيق بعض الأنشطة الخفيفة التي لا تسبب الإجهاد مثل الأنشطة الرياضية الصغيرة أو تحضير مائدة الطعام أو تحضير العصائر.
متى يتوجب إفطار الطفل
عندما تقرر كأب أو تقرري كأم صيام طفلك بعد تشجيعه وتحفيزه على الصوم، هناك بعض الحالات التي يتوجب فيها الطفل الإفطار، منها:
الشعور بالتعب، فعلى الآباء أن يراقبوا أطفالهم خلال فترة الصيام، فعند شعور الطفل بالتعب أو الإرهاق وعدم تحمله الصيام، فيجب على الطفل أن يقطع الصوم ويفطر فورا.
إذا كان الطفل مصابا بفقر الدم فلابد من الإفطار أو صيام ساعات قليلة، فهذا المرض من بين أكثر الأمراض شيوعا بين الأطفال، مع الحرص على تناول الأطعمة المليئة بالفيتامينات والمعادن.
أما بالنسبة للأطفال المصابين بالسكري فيجب عليهم عدم الصيام نهائيا إلا بعد استشارة إلى الطبيب.
وإذا شعرت الأم باصفرار في وجه طفلها خلال فترة الصيام أو جفاف شديد على شفتيه، فهذا دليل على الإرهاق وحاجته إلى السوائل.
وإذا شعرت الأم بوجود درجة متقدمة من الإعياء لدى الطفل، يجب أن تبادر بإعطاء طفلها أي مصدر للسوائل والسكريات لتغطية النقص.
فوائد الصيام للطفل
عندما يعتاد الطفل على الصيام ويتعرف عليه، فهو يتعلم قيم إيجابية مفيدة في علاقته بأسرته ومجتمعه.
كما يعزز الصوم من مشاعر الفرحة والبهجة الخاصة بشهر رمضان، إذا شارك في تزيين المنزل أو الشارع.
يساعد الصيام في التواصل مع المجتمع المحيط وإحساسه بقيمة وأهمية هذا الشهر، وهذا ما يسعده وييسر عليه الصيام.
وفي الختام، الصوم قيمة رائعة يجب تعليمها للأطفال في سن مبكرة حتى نغرس في نفوسهم حب الصوم وشهر رمضان الكريم.
ابدأ مع طفلك وعوده على الصيام حتى لو ببضع ساعات قليلة في البداية، حتى يعتاد الطفل الصيام ويبدأ في مد ساعات الصوم.
الأسئلة الشائعة (FAQ):
- هل يجوز للأطفال الصيام؟
الصيام قبل البلوغ ليس واجب لكنه مستحب لتعويد الطفل على الشعائر الرمضانية والصيام حتى لا يبدأ رحلة الصيام في سن متأخر ويكون الصيام صعب عليه.
- ما هي السن المناسبة لبدء تدريب الأطفال على الصيام؟
يمكنك أن تبدأ مع طفلك التعويد على الصيام عندما يبدأ في فهم العالم المحيط به وإدراك كل شئ من حوله، فلا يوجد هناك سن معينة لبدء الصيام للأطفال، لكنه واجب على الأطفال بداية من البلوغ.
- كيف يمكنني تشجيع طفلي على الصيام؟
يمكنك أن تشجع طفلك على الصيام من خلال إعطائه بعض المكافأت عند الصيام والصمود لفترات طويلة، ولابد من البدء مع الطفل بالصوم التدريجي وليس الصوم الكامل من الفجر للمغرب.
- ما هي الأطعمة المناسبة للأطفال خلال شهر رمضان؟
يجب أن تقدمي لطفلك الأطعمة الغنية بالألياف مثل الخضروات والفواكه ومنتجات الألبان مثل الزبادي، والعصائر والسوائل الكثيرة لتعويض ما يفقده جسمهم من ترطيب خلال ساعات الصيام، مع الحرص على تقديم مصدر للبروتينات للطفل.
- متى يجب على الطفل الإفطار؟
إذا شعر الطفل بالإعياء والتعب والإرهاق الءي يعيقه من تكملة الصوم، أو أن يكون الطفل صاحب مرض السكري أو مرض فقر الدم.