تقبل الهزيمة والخسارة.. أهم مهارة يجب أن يتعلمها الطفل
يشعر الأطفال عند خسارتهم في لعبة أو في أي مناقشة بالإحباط والفشل والهزيمة، لكنهم لا يتقبلوها اعتقادا منهم أنهم عندما يتعرضوا للخسارة أو الهزيمة بأنهم أشخاص غير جيدين.
ويعتقدون أن عليهم الفوز دائما في كل الأمور حتى يكونوا جيدين وراضيين عن نفسهم أو حتى يرضى عنهم والديهم.
ويتجلى دور الأباء هنا في التعامل الإيجابي مع الفشل الذي يمر به أطفالهم، فالأباء والأمهات هم مرآت أطفالهم وعليهم أن يعودوهم على تقبل الهزيمة والخسارة والتمتع بالروح الرياضية.
فإن تم تنشئة الأطفال على حتمية الفوز في كل مرة يلعب فيها لعبة معينة فيها تحدي صعب، فسيخلق ذلك مشكلة نفسية لدى الأطفال ويصبحون لا يتقبلوا الهزيمة والخسارة في أي شئ في حياتهم، مما يؤثر على صحتهم النفسية والعقلية.
وفي هذا المقال سنناقش أهمية تعليم الطفل تقبل الهزيمة وكيفية تعليم الطفل التعامل الإيجابي مع الفشل ودور الآباء في ذلك، لبناء شخصية الطفل السوية نفسيا وعقليا.
أهمية تعليم الطفل تقبل الهزيمة
في بداية الأمر على الآباء أن يدركوا أن الخطأ والخسارة أمر طبيعي في حياة الجميع، وبطبيعة الحال سيمر الأطفال في بداية حياتهم بمواقف المكسب ومواقف الخسارة وما أكثر الأخيرة، لذا من الضروري أن يتعلم كيفية تقبل الهزيمة، فإن تعلم هذه المهارة لن يصبح موقف الخسارة بالنسبة له تراجيديا أو دراميا.
ومحاولة الأهل أن يجعلوا أطفالهم فائزين دائما غير صحي، اعتقادا منهم أن ذلك يحمي أطفالهم من مشاعر الأحباط، لكنهم في الحقيقة يحرموهم من تجارب حياتية تكسبهم خبرات ومهارات جيدة فيما بعد، فعندما تشجع أطفالك عند الخسارة لا يعني هذا إطفاء الروح التنافسية بداخلهم أو بث روح اليأس وعدم حب الفوز، لكنه يشجع على التعلم من تجربة الخسارة التي تسلط الضوء على الأخطاء التي تم الوقوع فيها للتعلم منها واستغلالها لإصلاحها.
ولمساعدة الأطفال على تقبل الهزيمة، يجب على الآباء إعادة تعريف الأهداف لأطفالهم، بحيث لا يكون الفوز هو همهم الأساسي والوحيد، بل عليهم أن يحبوا خوض التجارب وبذل الجهد والاستمتاع بالتنافس، فهذه هي الأهداف التي يجب على الأطفال أن يضعوها في حسبانهم عند الدخول في أي نشاط تنافسي، فحتى في حالات الخسارة سيكون هدفهم من التجربة قد تحقق بالفعل.
وذلك ما يؤثر إيجابيا على شخصية الطفل ونفسيته، فعندما يدرك الهدف الرئيسي من الأنشطة التنافسية وفي أي حال من الأحوال سواء الفوز أو الخسارة، فسيكون هو راض عن نفسه في جميع الحالات، وواثق بذاته فهو خاض التجربة بفاعلية وبذل كل جهده واستمتع بالميزة التنافسية وحقق هدفه أيا كانت النتيجة.
فالحكمة التي يجب أن تعمل بها في حياتك كلها، هي أنك تسعى وتبذل كل ما بوسعك وأيا كانت النتيجة فأنت راض عن نفسك.
أسباب رفض الأطفال للهزيمة
يصبح الطفل غير متقبل للهزيمة لما يعيشه من تجارب حياتية سلبية، فتحدث تلك العقدة نتيجة تصرفات الآباء في مواقف الفشل أو الخسارة البسيطة، كتوبيخه أو تعنيفه أو ضربه، فردود الأفعال مثل هذه تصيب الطفل بالخوف العقلاني من الفشل والذي يلازم الطفل طوال حياته حتى في المراحل العمرية المتقدمة.
وعندما يواجه الإنسان فشلا ذريعا وهو غير مستعد للتعامل مع المشاعر التي تنتج عنه، يصاب بالخوف من الفشل على المدى البعيد، لتتجلى أهمية مهارة التعامل الإيجابي مع الفشل وتنميتها في المراحل العمرية المتقدمة.
وبسبب خطأ التربية الذي يربط بين منح الحب من الآباء وتحقيق الفوز، فيعيش الطفل تحت ضغط مستمر وخوف من الفشل لا ينتهي، والذي يترتب عليه حرمانه من حب والديه.
كما تمثل الضغوط الاجتماعية أحد أسباب عدم تقبل الطفل للهزيمة، فما يفرضه المجتمع من أحكام وأراء ووجهات نظر على من يفشل أو يخسر في أي شئ تكون قاسية ومدمرة نفسيا، فيتعرض الطفل لضغوط المجتمع التي لا تنتهي والذي يسعى جاهدا في أن يبتعد عنها، فيحاول أن يتجنب أي انتقاد يوجه له في حال فشله أو خسارته.
تأثير رفض الهزيمة على الطفل
عندما يصاب الطفل برفض الهزيمة والفشل في أي مراحل عمره، يؤثر ذلك سلبا على نفسيته فيصاب بالقلق والاكتئاب وبعض الآثار النفسية التي تؤثر على جودة حياته فيما بعد، ومن هذه الآثار السلبية:
- صعوبة في بناء العلاقات الاجتماعية، وتكوين صداقات وعلاقات صحية مع الآخرين، فرفضه المستمر للخسارة يجعله عدوانيًا في بعض الأحيان.
- انخفاض الثقة بالنفس وتقدير الذات، فمع تكرار تجارب الخسارة وعدم قدرته على التعامل معها بشكل صحي، يشعر الطفل بانخفاض في ثقته بنفسه وقدراته.
- التوتر والقلق، يمكن أن يعاني الطفل من مستويات عالية من التوتر والقلق، خاصة قبل الدخول في أي منافسة أو تحدٍ، خوفًا من الفشل والهزيمة.
- صعوبة في التعلم من الأخطاء، فهو يركز فقط على النتيجة النهائية بدلاً من التعلم والتطوير.
- صعوبة في التعامل مع الإحباط والفشل، مما يؤدي إلى سلوكيات سلبية مثل العناد، الغضب، أو الانسحاب الاجتماعي.
دور الوالدين في التعامل الإيجابي مع الفشل لدى الأطفال
وبعد أن عرفنا مدى تأثير رفض الهزيمة وعدم تقبلها على الطفل ونفسيته، يأتي دور الآباء في التعامل الإيجابثي مع الفشل الذي يمر به أطفالهم، فيجب أن يغيروا مفهوم النجاح لدى أطفالهم، على أن يتمحور النجاح حول بذل قصارى الجهد والالتزام بالخطة الموضوعة حتى في حالة الخسارة.
وإن مر الطفل بأحد مواقف الخسارة أو الهزيمة، فيحب أن يرى حينها بعض الإيجابية من والديه، من خلال مدحه بالأمور الجيدة التي فعلها بالرغم من خسارته، والتأكيد على الرضا بالنفس وبالنتائج مهما كانت.
فيكون للوالدان الدور الأكبر في التعامل الإيجابي مع الفشل عند أطفالهم، وغرس ثقافة تقبل الهزيمة والتمتع بالروح الرياضية وتمني الخير للأخرين، وأن هذا الفشل أو الخسارة ليسوا نهاية العالم، بل إنها تجربة نتعلم منها ومن أخطائنا لتفاديها المرة القادمة، فالشخص الذي لا يخطئ هو شخص لا يتعلم.
فيجب تنشئة الطفل على تقبل الخسارة في المراحل المبكرة من عمره، ليكبر الطفل على تقبل الفشل والهزيمة ويستطيع أن يتخطاه بكل روح رياضية ونفس سوية، ولابد من بعض مشاعر الإحباط والحزن في البداية، لكن الأهم هنا هو تجاوز ذلك الخطأ الذي يكون بالنسبة لهم “محنة”، فتعويد الأطفال منذ نعومة أظافرهم على التنافس الشريف مع الأخوة وحب الخير لهم السيطرة على مشاعر الغضب عند الهزيمة والخسارة، هو أهم دور يقود به الآباء في حياة طفلهم.
فحياة الطفل المستقبلية تتوقف راحتها على كل ما يحدث له في طفولته، فإن اعتاد على تقبل الهزيمة والتحلي بالروح الرياضية، سيوفر ذلك عليه الكثير من التعب في حياته المهنية أو حتى الشخصية.
استراتيجيات تعليم الطفل تقبل الهزيمة
يمكن للوالدين أن يتدربوا على التعامل الإيجابي مع الفشل لدى أطفالهم من خلال بعض الاستراتيجيات، لمساعدة الطفل أن يكون خاسرا لطيفا وليس خاسرا منزعجا، ومن هذه الاستراتيجيات:
مدح جهود الطفل
يجب أن يتم مدح الأطفال على جهوده الكبيرة بغض النظر عن النتيجة النهائية، بدلا من مدحه فقط عند حصوله على درجة في الاختبار على مستوى الفصل أو تسجيله أكبر عدد من الأهداف في مباراة كرة قدم، فيغذي ذلك طبيعته التنافسية ويشعر أن الفوز هو الأفضل دائما، لكن مدح الجهود ذاتها هي ما تكسب الطفل ثقة بالنفس حتى لو تعرض للخسارة.
القدوة الجيدة
على الأباء أن يكونوا قدوة جيدة لأطفالهم، من خلال تشجيع حسن الأداء وتهنئة الفائز حتى لو ليس من الفريق، فمن الضروري إظهار كيفية التعامل مع الآخرين بلطف وروح رياضية بغض النظر عن الفائز أو الخاسر، فذلك يغرس في الطفل القيم الجيدة فهو يقلد كل شئ من والديه.
تعلم مهارة إدارة الغضب
عند تعرض الأطفال للخسارة، يغضبوا وينزعجوا كثيرا فيقولون كلمات سيئة أو يكسرون شيئا بأيديهم ويدخلوا في نوبة غضب، وعلى الآباء أن تنبه أطفالهم إلى أن تلك السلوكيات غير مقبولة، فيجب تعليم الطفل أن الشعور بالغضب ممكن لكن بالطرق المقبولة فلا نجرح أحدا أو نخرب شيئا، فتعليم مهارة إدارة الغضب من أهم الأشياء التي تساعد الطفل على تقبل الهزيمة.
لا تدع طفلك يفوز
يتعمد بعض الأباء الخسارة ليفوز طفلهم للتخلص فقط من نوبات البكاء والغضب والانهيار عند الخسارة، وعلى المدى الطويل هذا لا يساعد الطفل في أي شي، بل بالعكس يزيد من شعوره بعدم تقبل الخسارة حتى عندما يكبر.
تجاهل المزاج السيئ
إذا بدأ الطفل بالبكاء أو رمي نفسه على الأرض فعلى الأباء أن يتجاهلوا ذلك تماما، فيؤدي تجاهل نوبات الغضب المزاجية أحيانا إلى جعلها أسوأ في البداية، لكن في النهاية يشعر طفلك بالملل عندما يرى لا أحد يهتم بإرضائه، فيجب تجنب مواساة الطفل إن كان رد فعله سئ عند الخسارة، لكن عندما يهدأ يتم إعطاءه الاهتمام الإيجابي وتفهيمه أن الخسارة شيئا عاديا وأن لا شئ قد يحدث سئ بعدها.
بيئة آمنة للتعبير عن المشاعر
لتعلم طفلك التعامل الإيجابي مع الفشل، عليك أن تحتويه في كل حالاته، فكن له الملاذ الآمن للتعبير عن مشاعر الغضب والحزن والإحباط عند التعرض للخسارة، فيساعده ذلك على تخطي الموقف والتعلم منه، فدعم الآباء في المواقف الصعبة لا يقدر بثمن.
تحويل الفشل لفرصة للتعلم
يجب أن يفهم الطفل أن الفشل جزء طبيعي من الحياة وأن الجميع يمرون بتجارب مماثلة فاشلة وأيضا ناجحة، لكن نقطة الاستثمار والاستفادة من الخبرات تأتي عندما ندرك الخسارة ونعرف أسبابها، ونحولها من مجرد تجربة فاشلة إلى تجربة تعليمية ناجحة تعودنا على التأقلم على التحديات التي تواجههنا في الحياة مهما كان عمرنا.
التدرب على الفوز بلطف
ويجب الاهتمام أيضا بحالات الفوز، فعادة لا يكون الفائزين لطيفين، فعند الفوز على خصم قوي، فيحتفلون بصوت عالي ويتفاخرون بانتصارهم، لكن هذه ليست الطريقة الصحيحة والمطلوبة عند الفوز، فيجب تعليم الطفل إظهار اللطف للآخرين من خلال مصافحة اليدين وأن يقول لخصمه الخاسر مثلا “لعبة جيدة” أو قول “شكرا لك على اللعب معي”، فهذا يساعد الطفل على التركيز على المرح والتنافس في اللعبة، وليس التركيز على الفوز والخسارة فقط.
أمثلة واقعية
ونقدم الآن بعض من أمثلة الحياة الواقعية التي تطبق استراتيجيات تعليم الطفل التعامل الإيجابي مع الفشل، فمثلا:
تخيل أن يخسر طفلك في لعبة الطاولة، فيمكنك أن تقول له: “لقد لعبت بشكل جيد جدًا، وأنا فخور بك لأنك حاولت بكل قوتك”، وأكد عليه أن المرة القادمة سيحاول مرة أخرى، وربما يفوز هو، مما يحفزه ويعطيه ثقة بذاته وتطوير مهاراته حتى يفوز في المرة القادمة.
وإذا خسر طفلك في سباق في المدرسة، يمكنك أن تقول له: “لقد بذلت جهدًا كبيرًا في الركض، وأنا سعيد بمحاولتك، وعليك تأكيد أن فكرة المشاركة والاستمتاع والتنافس الشريف أهم من الفوز، فالفوز ليس دائما حتمي، فبذلك أنت تستخدم استراتيجية التركيز على الجهد بغض النظر عن النتيجة.
دور المدرسة والمجتمع في تقبل الأطفال للهزيمة
بالتأكيد للمدرسة والمجتمع دورا محوريا في حياة الأطفال، فيمكن استغلال هذا الدور في تعليم الطفل تقبل الهزيمة، فيمكن تطبيق الآتي:
- عمل ندوات وحصص إضافية للطلاب في المدارس حول موضوعات الروح الرياضية والتنافس الشريف والتعامل مع الفريق الخاسر والتعامل في حال الخسارة.
- يمكن تضمين بعض من المناهج عن العلاقات الاجتماعية والتعامل مع الأخرين في حالات الخسارة والفشل.
- تطبيق المسابقات التنافسية في المدرسة التي تدعم التنافس الشريف، وتضمين بعض الشروط لدخول المسابقة كتحفيز الفرق لبعضهم البعض وتهنئة الفريق الخاسر للفريق الفائز، وأن يتمنى الفريق الفائز للخاسر التوفيق في المرات القادمة، وتطبيق ذلك فعليا.
- تشجيع روح الفريق، وروح التعاون والتنافس الشريف بين الطلاب، وتعليمهم أن الفوز ليس هو الهدف الوحيد، بل الأهم هو المشاركة والتعلم.
- عمل تقييم شامل، عن أداء الطلاب والجهد المبذول والتقدم المحرز، وليس فقط على النتيجة النهائية.
- يمكن لوسائل الإعلام أن تقدم محتوى إيجابيًا يعزز قيم التعاون والتسامح والاحترام، وتجنب المحتوى الذي يشجع على التنافس الشديد والعنف.
- ويمكن للمنظمات المجتمعية أن تساهم في تعزيز ثقافة تقبل الهزيمة من خلال تنظيم برامج وفعاليات تهدف إلى تطوير مهارات الأطفال الاجتماعية والعاطفية.
وفي الختام، علينا أن ندرك كآباء أهمية التعامل الإيجابي مع الفشل الذي يتعرض له الأطفال في بداية عمرهم، فهو ما يترتب عليه طرق تعامله في المستقبل مع الخسارة والهزيمة والرفض في أي موقف أو في أي جانب من جوانب حياته.
إن كنت أب لطفل عصبي وعنيد يكره الخسارة والهزيمة ولا يتقبلهم، عليك أن تتبع الاستراتيجيات التي ذكرناها في المقال، لتساعده في التأقلم مع صعوبات الحياة.