أساليب التنمية النفسية في مرحلة الطفولة المبكرة

التنمية النفسية في الطفولة

تعد تربية الأطفال وتنشئتهم من أهم وظائف الأسرة، ومن أهم الجوانب في تربية الطفل هي التنمية النفسية في الطفولة المبكرة، فلابد أن تهتم الأسرة بذلك الجانب اهتماما كبيرا لما له من تأثير قوي على شخصية الطفل ومستقبله.

يمر الإنسان بعدة مراحل تساعده في تشكيل شخصيته وعقله ومعارفه، وتحقيق استقلاله، وتتجلى التنمية النفسية في الطفولة المبكرة كواحدة من أهم العناصر في تطور الطفل، ويشكل التطور النفسي للطفل أهمية كبيرة في تشكيل شخصيته ويساعده على النمو الحركي والعقلي والاجتماعي والعاطفي.

يعتمد الطفل بشكل كامل في مراحله الأولى على والديه، فللأباء دور بارز في تشكيل شخصية الطفل ونمو نفسيته وتطورها، لذلك على الأباء أن تعامل أطفالها في مرحلة الطفولة المبكرة باتباع مبادئ التربية الإيجابية، مثل: عدم توجيه الأوامر للطفل بشكل مباشر، وعدم إعطائهم الحق في الرفض أو الاعتراض أو إبداء أرائهم، وكل ذلك ينشئ طفلا ضعيف الشخصية، يصعب عليه التعامل مع الأخرين في المستقبل، ولذلك على الأباء أن يدركوا مدى أهمية السنوات الأولى في التنمية النفسية في الطفولة المبكرة.

نمو دماغ الطفل

يولد الأطفال وهم جاهزون للتعلم، وتنمو أدمغتهم بنسبة 90٪ في أول خمس سنوات من حياتهم، وتتأثر أدمغتهم بالعوامل الوراثية والبيئة المحيطة بيهم.

يبدأ الطفل في سنواته الأولى بتطور مسارات الرؤية والسمع، تليها المهارات اللغوية والوظائف الإدراكية العليا، وتتضاعف مفردات الطفل أربع مرات في سن الثانية والرابعة، وتؤثر تلك المسارات على نمو الدماغ لخلق سلوكيات تعليمية إيجابية لدى الطفل.

تتأثر دماغ الطفل بكل ما حوله، فتتأثر بالبيئة المحيطة بالطفل بكل ما يحدث فيها، كما تتأثر بتفاعلات الطفل مع الأخرين، فكل قبلة أو عناق أو تناول وجبة مغذية أو اللعب معه تساعد الطفل في بناء دماغه.

يسهم اللعب لمدة 15 دقيقة في صنع الآلاف من الوصلات الدماغية عند الطفل، كما تساعد كل وجبة يأكلها الطفل على بناء دماغه بنسبة 75٪.

الجوانب المختلفة للتنمية النفسية

المهارات المعرفية

تعد الأطفال أصحاب مهارات معرفية متقدمة، تبعا للدراسات مما ساهم في ظهور مفهوم “الطفل الفلكي” الذي يشير إلى قدرة الأطفال على الملاحظة والتعلم قبل تطوير مهاراتهم الحركية، ويكون ذلك التعلم من البيئة المحيطة بهم.

التطور المعرفي لدى الطفل هو عملية ديناميكية تفاعلية تتشكل من المزج بين العناصر الفطرية البيولوجية والخبرات البيئية. وأثبتت الأبحاث ترابط الجوانب الاجتماعية والثقافية مع التطور المعرفي، فعملية التعلم تكون متجذرة بعمق في السياق الاجتماعي والثقافي للطفل.

الجوانب العاطفية

الأطفال في المراحل المبكرة يكون وعيهم بمشاعرهم ومشاعر الأخرين بسيط فتتمحور حول الفرح والحزن، والذنب عند مخالفتهم لتعاليم الأباء، والعناد وعدم الإصغاء للإرشادات، والشعور بالخجل عند معاقبتهم، والشعور بالفخر عن القيام بسلوكيات إيجابية مثل النظافة والنظام.

وفي تلك المرحلة من نمو الطفل النفسي، يجب على الأباء تهيئة أنفسهم لقدرات أطفالهم، بمساعدتهم في استخدام اللغة واستكشاف الجديد والسماح للطفل بتجربة الأشياء واحساسهم بالاستقلالية، والتواجد بشكل مستمر في الصعوبات والمشكلات لمواجهتها.

وكل ذلك يساعد في التنمية النفسية في مرحلة الطفولة المبكرة.

التنمية الاجتماعية

في مرحلة الطفولة المبكرة يكتسب الطفل المهارات والسلوكيات والمواقف الاجتماعية بالتدريج، والتي تساعد الطفل في التفاعل مع الأخرين والتعامل في المواقف الاجتماعية المختلفة، حيث تتمحور التنمية الاجتماعية في السنوات الأولى حول الارتباط والترابط مع مربيهم “الأباء”، فيتعلم الأطفال إقامة العلاقات الآمنة مع آبائهم فتكون لهم الأساس للتفاعلات الاجتماعية المستقبلية.

وعند استقرار التنمية الاجتماعية عند الطفل ويتم تعزيزها من قبل الآباء، فذلك ما يساهم في استقرار التنمية النفسية في مرحلة الطفولة المبكرة.

العوامل المؤثرة في التنمية النفسية في مرحلة الطفولة المبكرة

الوراثة

يلعب التركيب الجيني للطفل دورًا مهمًا في نموه، فتؤثر جينات معينة على السمات الجسدية للطفل وخصائص الذكاء والمزاج، وكما تؤثر على قابلية الإصابة بأمراض معينة وراثية.

البيئة

للبيئة المحيطة تأثير عميق على نمو النفسي للطفل، وهذا يشمل عوامل مثل الوضع الاجتماعي والاقتصادي للأسرة، ونوعية البيئة المنزلية، والحصول على الرعاية الصحية والتغذية، والتعرض للسموم أو الملوثات.

التنشئة الاجتماعية

تؤثر التنشئة الاجتماعية بشكل كبير على النمو النفسي للطفل، ويأتي في المقدمة دور الأسرة، فعلى الأسرة أن تتجنب الخلافات الأسرية والمشاحنات أمام أطفالهم، وعليهم إدخال السرور والبهجة في نفس الطفل كاستقبالهم بطريقة جيدة، أو ممازحتهم أو المسح على رؤوسهم، يجب على الأسرة أن تشجع طفلها على أي نشاط يقوم به حتى لو كان صغيرا واكتشاف هواياته لأن ذلك يؤثر تأثيرا كبيرا على الصحة النفسية للطفل، لابد من الإكثار من المدح فهو يحرك مشاعره ويساعده على تصحيح سلوكه وتساعد في أن تكون نفسيته مطمئنة وآمنة.

كما يجب إدخال الطفل في جو مدرسي صحي تحرص على مشاركته مع أقرانه في الأنشطة المدرسية الاجتماعية، وتساعده على حل مشكلاته بطريقة إيجابية.

ومن الضروري الاهتمام بالأساليب الغذائية للطفل، وتقديم الطعام الصحي له وتشجيعه على ممارسة الرياضة.

دور الأسرة في التنمية النفسية في مرحلة الطفولة المبكرة

يساعد المناخ الأسري على النمو النفسي السوي للطفل ويكسبه صحة نفسية جيدة، فمن الضروري أن يسود الجو الأسري اشباع الحاجات النفسية مثل الأمان والانتماء والحب والاستقرار والاهتمام، وتنمية مهارات الطفل الخاصة باللعب معه وإكسابه الخبرات البناءة والممارسة الموجهة للوالدين، كما يجب الاهتمام بتعليم التفاعل الاجتماعي واحترام الأخرين والتعاون معهم، وتعليم التوافق النفسي للطفل، وتكوين الاتجاهات السليمة نحو أفراد الأسرة، وإكساب الطفل العادات الصحيحة الخاصة بالتغذية والنوم والتحدث والتعامل مع الأخرين، وإكسابهم الأفكار والمعتقدات السليمة.

فتعد الأسرة السعيدة هي البيئة الصحية لسعادة الطفل وصحته النفسية، أما الأسرة المضطربة تكون بمثابة بيئة خصبة لانحراف الطفل والاضطرابات النفسية والاجتماعية.

فتؤثر الخبرات الأسرية التي يتعرض لها الطفل في سنواته الأولى على نموه النفسي والعقلي والأخلاقي.

دور المعلم في التنمية النفسية للطفل

لا يقل دور المعلم أهمية عن دور الأسرة في التنمية النفسية في مرحلة الطفولة المبكرة، فيكم دور المعلم في اكتشاف الطلاب الذين يعانون من مشكلات أو تحديات تتعلق بالصحة النفسية، وذلك من خلال استخدام مهارات المعلم في الملاحظة، فيمكن أن يلاحظ سلوك الطفل الفردية وعلاقاته مع أقرانه، ويحدد المعلم ما إذا كان الخلل عند الطفل بين المجموعات أو في حياته الشخصية بمفرده.

كما يكون دور المعلم في التنمية النفسية للطفل في تشكيل بيئة إيجابية آمنة ومرحبة للطلاب، حتى يشعروا فيها بالراحة ويشعروا بالثقة في البيئة المدرسية.

أهمية اللعب والتفاعل الاجتماعي في تنمية الطفل

بالرغم من أن اللعب هو وسيلة ترفيهية ممتعة للطفل، فهو أيضا يطور من خياله وقدرته الجسدية والمعرفية والعاطفية، ويعزز عنده الاستكشاف والمراقبة والتجربة، وإدراك العالم الخارجي وتطوير مهارات جديدة تعزز من الثقة والقدرة على التكيف مع التحديات المستقبلية.

يساعد اللعب على النمو الاجتماعي للطفل، فهو يكتسب مهارات التعامل مع الأخرين وأهمية العلاقات الجماعية، من خلال مشاركته في الألعاب الجماعية.

ومن الضروري مشاركة الأباء أطفالهم في اللعب، وترك المساحة لهم لتجربة الأشياء بنفسهم وارتكاب الأخطاء، مما يعطيهم شعور الثقة بالنفس والاستقلالية، واستقرار نموهم النفسي بالاتجاه الصحيح.

دراسات تنمية الطفل

كشفت دراسة حديثة نشرت على مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم عن احتمالية أن تؤدي الضغوط النفسية إلى تغييرات في الجهاز العصبي، وهو الأمر الذي يكشف أن الضغوطات لا تؤثر فقط على النفسية لدى الطفل لكنها تمتد لتصل إلى المستوى العضوي، والذي يغير من حجم المخ ليصبح أصغر من الطبيعي، ويؤثر تغير حجم المخ على معامل ذكاء الطفل IQ تأثيرا سلبيا. وتلك النتائج كانت بعد فحص عينة من الشباب اليتامى الذين نشأوا في الملاجئ في صغرهم لكنهم بعد ذلك تربوا في أجواء أسرية تسودها الحب والاهتمام، وبالرغم من ذلك اكتشف الباحثين أن ما تعرض له هؤلاء الشباب من إهمال في صغرهم أثر على نمو المخ وتطوره. كما أوضحت الدراسة أن الذكريات السيئة غير قابلة للعلاج حتى لو تغيرت الظروف المحيطة للأحسن، وأكدت أن سوء التغذية والعزلة الاجتماعية وغياب الرعاية الدائمة أثر على المخ، فطرأت عليه تغيرات دائمة، مما يؤدي لإصابة البعض باضطرابات نفسية مستقبلية.

أشارت دراسات أخرى إلى وجود ارتباطات بين الدخول المبكر للأطفال اليتامى إلى الملاجئ والوظيفة العصبية، وتم قياس المادة الرمادية والبيضاء على المخ بالرنين المغناطيسي، والتي لها أدوارا في الوظائف العصبية على عينة من الشباب المتبنين الإنجليز والرومانيين.لوحظ صغر حجم المادة البيضاء والرمادية لدى الشباب الذين دخلوا الملاجئ وتم تبنيهم من رومانيا إلى المملكة المتحدة، على عكس 11 شابا لم يتم إدخالهم الملاجئ وتم تبنيهم في المملكة المتحدة.

التحديات التي تواجه التنمية النفسية في مرحلة الطفولة المبكرة

  • التغذية، فيعد نقص العناصر الغذائية الأساسية يؤثر سلباً على النمو النفسي والجسدي والعقلي للطفل.
  • الصحة، فيمكن أن تعرقل الأمراض والحالات الصحية المزمنة على النمو الطبيعي للطفل وتؤثر على قدراته التعليمية والاجتماعية.
  • البيئة الأسرية، فتكون البيئة غير المستقرة أو التي تكون مليئة بالصراعات تؤثر على الصحة النفسية والعاطفية للطفل.
  • التعليم المبكر، يؤثر عدم توفر فرص التعليم المبكر أو ضعف جودة التعليم على تطوير المهارات الأساسية للطفل.
  • العوامل الاجتماعية والاقتصادية، فتحد الظروف الاقتصادية الصعبة من الوصول إلى الموارد والفرص التعليمية اللازمة.
  • التحفيز والتفاعل، يؤثر نقص التفاعل الاجتماعي والتحفيز العقلي على تطور المهارات الاجتماعية واللغوية لدى الطفل.
مواجهة التحديات
  • الاهتمام بالاحتياجات الأساسية، لا بد أن يتم التأكد من تلبية احتياجات الطفل الأساسية مثل الطعام والراحة والنوم، حيث تلعب هذه العوامل دورًا مهمًا في التنمية النفسية.
  • توفير بيئة آمنة ومحفزة، لا بد أن تجعل البيئة المحيطة بالطفل آمنة ومحفزة للتعلم واللعب، فمن الممكن استخدام ألعابًا تنمي المهارات الحركية والمعرفية.
  • التواصل الفعال، لابد من التحدث مع الطفل بانتظام واستمع له بتركيز، فمن الضروري أن يتم التواصل الجيد يساعد في تعزيز الثقة بالنفس وفهم المشاعر.
  • التشجيع والتحفيز، لابد من تشجيع الطفل على محاولة أشياء جديدة ومكافأته على جهوده، مما يعزز الثقة بالنفس والمرونة.
  • تعليم المهارات الاجتماعية، علم طفلك كيفية التعامل مع الآخرين وحل المشكلات بطريقة إيجابية.
  • الاستجابة للمشاعر، كن حساسًا لمشاعر طفلك وقدم الدعم العاطفي عند الحاجة.
  • الاستشارة المتخصصة، إذا لاحظت صعوبات كبيرة في التنمية، قد يكون من المفيد استشارة متخصص في علم النفس أو التربية.

وأخيرا، وبعد سرد أهمية التنمية النفسية في مرحلة الطفولة المبكرة، لابد أن يلتفت الآباء إلى دورهم في حياة طفلهم وتشكيل شخصيته وتكوير ونمو دماغه ومخه، وفهم كيف يؤثر دور الأسرة في التنمية النفسية للطفل.

شاركنا تجربتك مع طفلك في سنواته الأولى وكيف ساهمت في تنشئة طفل سوي نفسيا.

كتبت ندى علاء
Scroll to Top